فصل: مطلب مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ وَمُصَوَّرٍ حَرُمَ بَيْعُهُ وَنَسْجُهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **


 مطلب يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا لِضَرُورَةٍ

وَلُبْسَ الْحَرِيرِ اُحْظُرْ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ سِوَى لِضَنًى ‏,‏ أَوْ قَمْلٍ أَوْ حَرْبِ جُحَّدِ ‏(‏وَلُبْسَ‏)‏ ثَوْبِ ‏(‏الْحَرِيرِ‏)‏ وَعِمَامَتِهِ وَتِكَّةِ سَرَاوِيلَ وَشِرَابَةٍ مُفْرَدَةٍ كَشِرَابَةِ الْبَرِيدِ لَا تَبَعًا فَحُكْمُهَا مَعَ التَّبَعِيَّةِ الْإِبَاحَةُ كَالزِّرِّ ‏,‏ وَكَذَا بِطَانَةُ نَحْوِ ثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ ‏(‏اُحْظُرْ‏)‏ أَيْ امْنَعْ وَحَرِّمْ ‏(‏عَلَى كُلِّ‏)‏ ذَكَرٍ ‏,‏ وَلَوْ كَافِرًا ‏;‏ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ‏.‏

وَمِثْلُ اللُّبْسِ افْتِرَاشُهُ وَاسْتِنَادُهُ وَاتِّكَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَوَسُّدُهُ وَتَعْلِيقُهُ وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ‏.‏

وَكَلَامُ أَبِي الْمَعَالِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ ‏.‏

وَذَكَرَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْحَنَفِيَّةِ ‏.‏

قَالَ م ص فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ اسْتِنَادٌ إلَيْهِ وَتَعْلِيقُهُ يَدْخُلُ فِيهِ بشخابة وَخَيْمَةٌ وَنَحْوُهُمَا ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَحَرَّمَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهُ مُطْلَقًا ‏,‏ فَدَخَلَ فِيهِ تِكَّةٌ وشرابة مُفْرَدَةٌ وَخَيْطُ سُبْحَةٍ انْتَهَى ‏.‏

وَفِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ قُنْدُسٍ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ حَشْوِ الْجِبَابِ قَالَ‏:‏ ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ‏:‏ فُرُوعٌ يَجُوزُ حَشْوُ الْجُبَّةِ ‏,‏ وَالْمِخَدَّةِ مِنْهُ أَيْ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ إذَا بُسِطَ فَوْقَهُ ثَوْبٌ ‏,‏ وَلَوْ نُظِمَ سُبْحَةٌ فِي خَيْطِ حَرِيرٍ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهَا ‏,‏ وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ جُبَّةٍ بِطَانَتُهَا حَرِيرٌ انْتَهَى فَكَأَنَّهُ مُرْتَضٍ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏بَالِغٍ‏)‏ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُ الصَّغِيرِ ثِيَابَ الْحَرِيرِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ‏:‏ كَانُوا يُرَخِّصُونَ لِلصَّبِيِّ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ فَإِذَا بَلَغَ أَلْقَاهُ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ هُشَيْمٌ مُدَلِّسٌ ‏,‏ وَهَذَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ ‏,‏ ‏,‏ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُ ذَلِكَ لِلصَّبِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ النَّاظِمِ ‏.‏

 مطلب فِي ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ

وَقَدْ وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ ‏,‏ عَنْ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ‏,‏ عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ ‏,‏ وَبِتَحْرِيمِهِ ‏,‏ وَالْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ صَرِيحَةٌ ‏.‏

مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ‏,‏ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ‏"‏ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ‏:‏ وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ‏"‏ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ ‏"‏ ‏.‏

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏"‏ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ‏"‏ ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا رضي الله عنه سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ‏"‏ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا ‏"‏ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ‏"‏ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ‏,‏ وَالْحَاكِمُ ‏,‏ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ‏,‏ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ ‏"‏ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ ‏,‏ وَذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ‏"‏ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ ‏"‏ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ ‏,‏ وَالْفِضَّةِ ‏,‏ وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا ‏,‏ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ ‏,‏ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ لَا يَسْتَمْتِعُ بِالْحَرِيرِ مَنْ يَرْجُو أَيَّامَ اللَّهِ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا يَرْجُو أَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ ‏"‏ ‏.‏

قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَبْلُغُهُمْ هَذَا عَنْ نَبِيِّهِمْ يَجْعَلُونَ حَرِيرًا فِي ثِيَابِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ ‏,‏ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسُ حَرِيرًا وَلَا ذَهَبًا ‏"‏ ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا ‏"‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ مَنْ تَرَكَ الْحَرِيرَ ‏,‏ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَأَكْسَوْتُهُ إيَّاهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ ‏"‏ وَقَوْلُ النَّاظِمِ رحمه الله ‏(‏سِوَى‏)‏ لُبْسِ الْحَرِيرِ ‏(‏لِ‏)‏ أَجْلِ ‏(‏ضَنًى‏)‏ أَيْ مَرَضٍ ‏,‏ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ مَقْصُورًا ‏.‏

قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ ضَنِيَ كَرَضِيَ ضَنًى فَهُوَ ضَنِيٌّ ‏,‏ وَضَنٍ كَحَرِيٍّ وَحَرٍ ‏,‏ مَرِضَ مَرَضًا مُخَامِرًا كُلَّمَا ظُنَّ بُرْؤُهُ نُكِسَ ‏,‏ وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْحَظْرِ ‏,‏ أَيْ حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ بَالِغٍ سِوَى لُبْسِهِ لِمَرَضٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَسِوَى لُبْسِهِ لِ ‏(‏قَمْلٍ‏)‏ وَاحِدَتُهُ قَمْلَةٌ ‏,‏ وَيُقَالُ لَهُ قَمَالٌ قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ ‏.‏

وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ ‏,‏ وَالْوَسَخِ إذَا أَصَابَ ثَوْبًا أَوْ رِيشًا ‏,‏ أَوْ شَعْرًا حَتَّى يَصِيرَ الْمَكَانُ عَفِنًا ‏.‏

قَالَ الْجَاحِظُ‏:‏ وَرُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَمِلَ الطِّبَاعِ ‏,‏ وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ ‏,‏ كَمَا عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنهما حِينَ اسْتَأْذَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فَأَذِنَ لَهُمَا فِيهِ ‏,‏ وَلَوْلَا الْحَاجَةُ مَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ‏.‏

وَقِصَّةُ إبَاحَتِهِ صلى الله عليه وسلم لُبْسَ الْحَرِيرِ لِابْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ رضي الله عنهما فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمِثْلُ جَوَازِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِقَمْلٍ لُبْسُهُ لِأَجْلِ حَكَّةٍ ‏,‏ وَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَوَالِهَا ‏,‏ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ‏:‏ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ يَعْنِي الْحَرِيرَ مُطْلَقًا ‏,‏ لِأَنَّ وَقَائِعَ الْأَحْوَالِ عِنْدَهُ لَا تَعُمُّ ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَسِوَى لُبْسِهِ لِ ‏(‏حَرْبِ جُحَّدِ‏)‏ أَيْ كُفَّارٍ ‏.‏

‏,‏ وَالْمُرَادُ لِحَرْبِ مُبَاحٍ إذَا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ‏.‏

وَيَمْتَدُّ وَقْتُ إبَاحَةِ لُبْسِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فِي حَالِ الْحَرْبِ بِلَا حَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ نَصًّا ‏;‏ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ ‏,‏ وَالْفَخْرِ ‏,‏ وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ ‏.‏

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ‏,‏ وَالْوُسْطَى‏:‏ يُبَاحُ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِي أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ ‏.‏

وَفِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ‏:‏ يُبَاحُ عَلَى الْأَظْهَرِ ‏.‏

وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ ‏,‏ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ ‏,‏ وَالْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ‏.‏

وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏,‏ وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهَا ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ اخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ ‏.‏

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ‏,‏ وَالْمُحَرَّرِ ‏,‏ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِبَاحَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى مُرَجِّحًا مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ فَقَالَ‏:‏

 مطلب هَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ أَمْ لَا‏؟‏

فَجَوِّزْهُ فِي الْأَوْلَى وَحَرِّمْهُ فِي الْأَصَحْ عَلَى هَذِهِ الصِّبْيَانِ مِنْ مُصْمَتٍ زِدْ ‏(‏فَجَوِّزْهُ‏)‏ أَيْ لُبْسَ الْحَرِيرِ ‏(‏فِي‏)‏ الْقَوْلِ ‏(‏الْأَوْلَى‏)‏ بِالْقَبُولِ وَالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِهِ ‏,‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ‏(‏وَحَرِّمْهُ‏)‏ أَيْ حَرِّمْ إلْبَاسَ الْحَرِيرِ ‏(‏فِي الْأَصَحْ‏)‏ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ‏:‏ هَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ - زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالذَّهَبَ - عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَشْهَرُهُمَا التَّحْرِيمُ ‏(‏عَلَى‏)‏ أَوْلِيَاءِ ‏(‏هَذِهِ الصِّبْيَانِ‏)‏ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ دُونَ الصِّبْيَانِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ‏,‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ ‏,‏ جَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏,‏ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ‏"‏ وَلِقَوْلِ جَابِرٍ رضي الله عنه ‏"‏ كُنَّا نَنْزِعُهُ مِنْ الْغِلْمَانِ وَنَتْرُكُهُ عَلَى الْجَوَارِي ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ‏.‏

وَكَوْنُ الصِّبْيَانِ مَحَلًّا لِلزِّينَةِ مَعَ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِمْ أَبْلَغُ فِي التَّحْرِيمِ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَرِهَ إلْبَاسَ الصَّبِيَّانِ الْقَرَامِزَ السُّودَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ ‏.‏

‏(‏تَنْبِيهَانِ‏)‏‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ النَّاظِمِ عَلَى هَذِهِ الصِّبْيَانِ فِيهِ تَسَامُحٌ ‏;‏ لِأَنَّهُ إنْ أَشَارَ بِهِ إلَى الصِّبْيَانِ فَكَانَ حَقُّ الْإِشَارَةِ عَلَى هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانِ وَلَا يَسْتَقِيمُ النَّظْمُ حِينَئِذٍ ‏,‏ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلرِّوَايَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إذْ ‏"‏ حَرِّمْ ‏"‏ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ ‏,‏ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَكُونُ وَحَرِّمْهُ فِي الْأَصَحِّ الصِّبْيَانَ عَلَى هَذِهِ ‏,‏ وَلَعَلَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ تَصَرُّفِ النُّسَّاخِ ‏.‏

وَرَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِهِ أَسْقَطَ لَفْظَةَ هَذِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَكَانَهَا شَيْئًا ‏.‏

وَيَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ طَلَبَةِ الْعِلْمِ رَآهَا مَحْذُوفَةً فَذَكَرَ هَذِهِ لِتَنْسِيقِ النَّظْمِ ‏,‏ فَتَكُونُ اللَّفْظَةُ الْمَحْذُوفَةُ أَوْلِيَاءَ الصِّبْيَانِ ‏,‏ وَقَصْرُ أَوْلِيَاءَ جَائِرٌ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏الثَّانِي‏)‏ الْقَرَامِزُ السُّودُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه الظَّاهِرُ نَوْعٌ مِنْ اللِّبَاسِ ‏.‏

قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي قوله تعالى ‏{‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ‏}‏ قَالَ كَالْقِرْمِزِ هُوَ صِبْغٌ أَحْمَرُ ‏,‏ وَيُقَالُ‏:‏ إنَّهُ حَيَوَانٌ تُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ فَلَا يَكَادُ يَنْصُلُ لَوْنُهُ ‏,‏ وَهُوَ مُعَرَّبٌ انْتَهَى ‏.‏

وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ‏:‏ الْقِرْمِزُ دُودٌ أَحْمَرُ يُوجَدُ فِي شَجَرِ الْبَلُّوطِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ صَدَفِيٌّ شَبِيهٌ بالحلزمان تَجْمَعُهُ نِسَاءُ تِلْكَ الْبِلَادِ بِأَفْوَاهِهِنَّ يُصْبَغُ بِهِ ‏.‏

وَنَحْوُهُ فِي الْقَامُوسِ بِاخْتِصَارٍ ‏.‏

وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ الْقَرَامِزَ سُودٌ فَحَرِّرْهُ فَإِنِّي لَمْ أَجِدْهُ فِي كَلَامِهِمْ مُفَسَّرًا ‏.‏

وَقَوْلُ النَّاظِمِ ‏(‏مِنْ‏)‏ حَرِيرٍ ‏(‏مُصْمَتٍ‏)‏ أَيْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ‏,‏ بَلْ هُوَ حَرِيرٌ صِرْفٌ ‏(‏زِدْ‏)‏ هَذَا الْقَيْدَ وَلَا تُطْلِقْ التَّحْرِيمَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ غَيْرُهُ ‏,‏ أَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ وَكَانَ الْحَرِيرُ غَالِبًا فِي الظُّهُورِ ‏.‏

وَأَمَّا إذَا اسْتَوَيَا ظُهُورًا وَوَزْنًا ‏,‏ أَوْ كَانَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَالظُّهُورُ لِغَيْرِهِ فَلَا حُرْمَةَ حِينَئِذٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَمَا غَالَبَهُ حَرِيرٌ قِيلَ ظُهُورًا وَقِيلَ وَزْنًا ‏,‏ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ الْمَرْدَاوِيُّ رحمه الله فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ قِيلَ وَزْنًا وَقِيلَ ظُهُورًا أَطْلَقَ الْخِلَافَ ‏,‏ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ ‏,‏ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِي الْمُقْنِعِ ‏,‏ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهُمَا الِاعْتِبَارُ بِمَا غَالِبُهُ الظُّهُورُ ‏,‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ‏,‏ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَهُوَ الصَّوَابُ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏,‏ وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ ‏,‏ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ قَوْلُهُ ‏,‏ وَإِنْ اسْتَوَيَا ظُهُورًا ‏,‏ أَوْ وَزْنًا فَهَلْ يَحْرُمُ أَمْ لَا‏؟‏ أَطْلَقَ الْخِلَافَ ‏,‏ وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ ‏,‏ وَالْفُصُولِ ‏,‏ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ‏,‏ وَالْمُغْنِي ‏,‏ وَالْكَافِي ‏,‏ وَالْمُقْنِعِ ‏,‏ وَالْهَادِي وَالتَّلْخِيصِ ‏,‏ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ ‏,‏ أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ ‏,‏ وَصَوَّبَهُ الْمَرْدَاوِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَالشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ‏:‏ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُصُولِ‏:‏ لِأَنَّ النِّصْفَ كَثِيرٌ وَلَيْسَ تَغْلِيبُ التَّحْلِيلِ بِأَوْلَى مِنْ التَّحْرِيمِ ‏,‏ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَحْرُمُ ‏,‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ‏,‏ صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ ‏.‏

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏تَتِمَّةٌ‏)‏ فِي أَبْحَاثٍ وَفَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ ‏.‏

 مطلب الْحَرِيرُ مُحَرَّمٌ عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ

‏(‏الْبَحْثُ الْأَوَّلُ‏)‏ إنَّمَا يَحْرُمُ الْحَرِيرُ عَلَى الذُّكُورِ كَمَا عُلِمَ دُونَ الْإِنَاثِ ‏,‏ وَالْخَنَاثَى هُنَا مُلْحَقُونَ بِالرِّجَالِ ‏,‏ فَيَحْرُمُ عَلَى الْخُنْثَى مِنْ الْحَرِيرِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ‏:‏ يُبَاحُ الْحَرِيرُ بِأَنْوَاعِهِ لِلنِّسَاءِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ‏,‏ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ ‏,‏ وَكَذَا إبَاحَةُ الذَّهَبِ لَهُنَّ انْتَهَى ‏.‏

وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت الزُّبَيْرَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ‏:‏ لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنِّي سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ‏:‏ قَاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ‏,‏ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ‏"‏ ‏.‏

وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ ‏.‏

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ‏"‏ ‏.‏

وَرَوَى النَّسَائِيُّ ‏,‏ وَالْحَاكِمُ ‏,‏ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ ‏,‏ وَالْحَرِيرَ وَيَقُولُ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسُوهَا فِي الدُّنْيَا ‏"‏ ‏.‏

وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ وَيْلٌ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَحْمَرَيْنِ الذَّهَبِ ‏,‏ وَالْمُعَصْفَرِ ‏"‏ ‏.‏

وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا ‏"‏ أُرِيتُ أَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ‏,‏ فَإِذَا أَعَالِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَذَرَارِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ وَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ أَقَلَّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالنِّسَاءِ فَقِيلَ لِي‏:‏ أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ ‏,‏ فَإِنَّهُمْ عَلَى الْبَابِ يُحَاسَبُونَ وَيُمَحَّصُونَ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَأَلْهَاهُنَّ الْأَحْمَرَانِ الذَّهَبُ ‏,‏ وَالْحَرِيرُ ‏"‏ الْحَدِيثَ ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِابْنَتِهِ‏:‏ لَا تَلْبَسِي الذَّهَبَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْك مِنْ حَرِّ اللَّهَبِ ‏.‏

فَكُلُّ هَذَا ‏,‏ وَأَضْرَابُهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى تَحْرِيمٍ سَابِقٍ لِصِحَّةِ أَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى إبَاحَتِهِ لَهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي حُكْمِ كِتَابَةِ الْمَهْرِ فِي الْحَرِيرِ

‏(‏الثَّانِي‏)‏ قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَفِي تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمَهْرِ فِيهِ أَيْ الْحَرِيرِ وَجْهَانِ ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ أَحَدُهُمَا لَا يَحْرُمُ ‏,‏ بَلْ يُكْرَهُ ‏,‏ وَهُوَ الصَّحِيحُ ‏,‏ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَبِعَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ‏,‏ وَالْوُسْطَى يَعْنِي الْعَلَّامَةَ ابْنَ مُفْلِحٍ ‏.‏

وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَحْرُمُ فِي الْأَقْيَسِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ‏,‏ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى ‏,‏ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَقِيلَ يُكْرَهُ ‏.‏

قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ قُلْت لَوْ قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ ‏,‏ وَقَالَ م ص فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى‏:‏ وَعَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الْعَمَلُ ‏.‏

 مطلب فِيمَا يُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنْ الْحَرِيرِ

‏(‏الثَّالِثُ‏)‏ جُمْلَةُ الَّذِي يُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنْ الْحَرِيرِ‏:‏ يُبَاحُ خَالِصُ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ لِمَرَضٍ ‏,‏ أَوْ حَكَّةٍ ‏,‏ أَوْ قَمْلٍ أَوْ حَرْبٍ مُبَاحٍ ‏,‏ وَلَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ قِتَالٍ كَمَا فِي الْغَايَةِ ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ‏:‏ إذَا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ ‏,‏ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ‏.‏

وَيُبَاحُ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ وَمَا فِيهِ صُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ ‏,‏ وَالْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ ‏,‏ أَوْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ بِأَنْ عُدِمَ غَيْرُهُ ‏.‏

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ‏:‏ مَنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ‏,‏ أَوْ تَحَصُّنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ أُبِيحَ ‏,‏ وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ بِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ لُبْسِهِ ‏,‏ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ ‏.‏

وَيُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ أَيْضًا كِيسُ مُصْحَفٍ ‏,‏ وَأَزْرَارٌ ‏,‏ وَخِيَاطَةٌ بِهِ ‏"‏ وَحَشْوُ جِبَابٍ ‏,‏ وَحَشْوُ فُرُشٍ ‏,‏ وَعَلَمُ ثَوْبٍ ‏,‏ وَهُوَ طِرَازُهُ ‏,‏ وَلَبِنَةُ جَيْبٍ ‏,‏ وَهِيَ الزِّيقُ وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ هُنَا أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُنْتَهَى ‏;‏ لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَلَبِنَةُ الْجَيْبِ ‏,‏ وَهِيَ الزِّيقُ ‏,‏ وَالْجَيْبُ هُوَ الطَّوْقُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الرَّأْسُ إذَا كَانَ - يَعْنِي مِقْدَارَ الْحَرِيرِ - أَرْبَعَ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ فَمَا دُونَ ‏.‏

وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى‏:‏ وَالْجَيْبُ مَا يُفْتَحُ عَلَى نَحْرٍ ‏,‏ أَوْ طَوْقٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ وَجَيْبٌ وَنَحْوُهُ بِالْفَتْحِ طَوْقُهُ ‏.‏

وَيُبَاحُ مِنْ الْحَرِيرِ أَيْضًا رِقَاعٌ وَسُجُفٍ ‏,‏ نَحْوُ فِرَاءٍ لَا فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ ‏,‏ وَلَوْ لَبِسَ ثِيَابًا ‏,‏ بِكُلِّ ثَوْبٍ قَدْرٌ يَحِلُّ ‏,‏ وَلَوْ جُمِعَ صَارَ ثَوْبًا لَمْ يُكْرَهْ ‏.‏

وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه ‏"‏ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ ‏,‏ أَوْ ثَلَاثٍ ‏,‏ أَوْ أَرْبَعٍ ‏"‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ‏.‏

وَقَدَّمَ فِي الْآدَابِ أَنَّهُ يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ كَفِّ حَرِيرٍ عَرْضًا وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ‏.‏

وَقِيلَ ‏,‏ بَلْ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ فَأَقَلُّ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ ‏.‏

قَالَ الْيُونِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْآدَابِ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهُ ‏,‏ بَلْ هُمَا سَوَاءٌ ‏.‏

قُلْت‏:‏ هَذِهِ دَعْوَى غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ‏.‏

قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيُبَاحُ مِنْهُ الْعَلَمُ إذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ فَأَقَلَّ ‏,‏ نَصَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ‏,‏ وَفِي الْوَجِيزِ دُونَهَا ‏,‏ وَفِي الْمُحَرَّرِ‏:‏ قَدْرَ كَفٍّ ‏.‏

فَقَدْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا تَرَى ‏.‏

وَفِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ قُنْدُسٍ‏:‏ لَوْ بَسَطَ عَلَى الْحَرِيرِ شَيْئًا يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا بَسَطَ عَلَى نَجَاسَةٍ شَيْئًا طَاهِرًا جَوَازُ الْجُلُوسِ عَلَى الْمُرَجَّحِ ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْفُرُوعِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الْبَسْطِ عَلَى النَّجِسِ وَوُجِّهَ أَنَّهَا مِثْلُهَا ‏,‏ وَقَدْ يُقَالُ‏:‏ إنَّهَا كَمَسْأَلَةِ حَشْوِ الْجِبَابِ ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَفِي الْمُنْتَهَى ‏,‏ وَالْغَايَةِ لَا يَحْرُمُ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ تَحْتَ حَائِلٍ صَفِيقٍ ‏,‏ قَالَ م ص‏:‏ فَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْحَائِلِ وَمُرَادُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏,‏ وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي بَابِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ لَوْ بَسَطَ عَلَى نَجَاسَةٍ ‏,‏ أَوْ حَرِيرٍ - يَحْرُمُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ - شَيْئًا طَاهِرًا صَفِيقًا بِحَيْثُ لَمْ يَنْفُذْ إلَى ظَاهِرِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ‏,‏ فَيَكُونُ جَعَلُوهُ مِنْ بَابِ بَسْطِ الطَّاهِرِ عَلَى النَّجِسِ لَا مِنْ بَابِ حَشْوِ الْجِبَابِ ‏.‏

 مطلب فِي حِكْمَةِ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ

‏(‏الرَّابِعُ‏)‏ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ لِبَاسُ الْحَرِيرِ أَنْفَعُ وَأَعْدَلُ اللِّبَاسِ فَلِمَ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ‏؟‏ فَأَجَابَ قِيلَ لِتَصْبِرَ النَّفْسُ عَنْهُ فَتُثَابَ وَلَهَا عِوَضٌ عَنْهُ وَقِيلَ فِي إبَاحَتِهِ مَفْسَدَةُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ‏.‏

وَقِيلَ لِمَا يُورِثُ لُبْسُهُ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ ‏.‏

وَقِيلَ لِمَا يُورِثُ لُبْسُهُ مِنْ الْفَخْرِ ‏,‏ وَالْعُجْبِ ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْحِكَمَ وَالتَّعْلِيلَ لِلْأَحْكَامِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَوَابٍ ‏.‏

وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأَسْبَابِ جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ ‏.‏

 مطلب فِي حُكْمِ مَا يَصْنَعُهُ الْآنَ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الكرمسوت

وَالْأَطَالِسِ وَمَا شَاكَلَهَا

‏(‏الْخَامِسُ‏)‏ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الظُّهُورِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لِلْحَرِيرِ حَرُمَ وَإِلَّا أُبِيحَ ‏,‏ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى إبَاحَةِ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ ‏,‏ مَعَ تَقْدِيمِهِمْ أَوَّلًا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالظُّهُورِ ‏.‏

وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الشَّامِ الْآنَ مِنْ الْبُرُودِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الدابولي والكرمسوني ‏,‏ وَالْأَطَالِسَ وَنَحْوَهَا يُسَدُّونَهَا بِالْحَرِيرِ وَيُلْحِمُونَهَا بِنَحْوِ الْقُطْنِ ‏,‏ وَالْكَتَّانِ ‏,‏ لَكِنْ يَكُونُ الظُّهُورُ لِلْحَرِيرِ دُونَ غَيْرِهِ ‏,‏ فَإِنْ أَخَذْنَا بِعُمُومِ اعْتِبَارِ الظُّهُورِ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مَحْظُورًا ‏,‏ وَإِنْ أَخَذْنَا بِعُمُومِ أَنَّ كُلَّ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ يَكُونُ مُبَاحًا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مُبَاحًا ‏.‏

وَلَمْ يَزُلْ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ حَتَّى حَصَلَ بَيْنَ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْإِمَامِ الْأَوْحَدِ وَالْقُطْبِ الْفَرْدِ الْأَمْجَدِ مَنْ طَنَّتْ حَصَاتُهُ فِي الْبِلَادِ ‏,‏ وَانْتَفَعَ بِحَالِهِ وَقَالِهِ جُلُّ الْعِبَادِ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ ‏,‏ مَوْلَانَا الشَّيْخِ أَبِي الْمَوَاهِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي مُفْتِي السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ فِي الدِّيَارِ الشَّامِيَّةِ وَابْنِ مُفْتِيهَا ‏,‏ وَبَيْنَ أَفْضَلِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ ‏,‏ الشَّيْخِ عُثْمَانَ النَّجْدِيِّ صَاحِبِ شَرْحِ عُمْدَةِ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ وَحَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى نِزَاعٌ ‏.‏

فَقَالَ مَوْلَانَا أَبُو الْمَوَاهِبِ بِالْإِبَاحَةِ ‏,‏ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عُثْمَانُ بِالْحَظْرِ ‏,‏ فَحَصَلَ لِلْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ عُثْمَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ زَعَلٌ وَضِيقُ صَدْرٍ ‏,‏ مَعَ مَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّجْدِيِّينَ مِنْ الْحِدَّةِ أَوْجَبَ خُرُوجَهُ مِنْ الشَّامِ إلَى مِصْرَ وَلَمْ يَزَلْ مُسْتَوْطِنَهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رحمه الله تعالى وَكَتَبَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ مِنْهَا مَا كَتَبَهُ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَلَى قَوْلِ الْمَاتِنِ‏:‏ وَيُبَاحُ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسِمٍ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ الْإِبْرَيْسِمِ مِنْ نَحْوِ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ ‏.‏

قَالَ‏:‏ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ مُسْتَتِرًا وَغَيْرُ الْحَرِيرِ هُوَ الظَّاهِرَ ‏,‏ وَإِلَّا بِأَنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ وَاسْتَتَرَ غَيْرُهُ فَهُوَ كَالْمُلْحَمِ الْمُحَرَّمِ ‏,‏ كَمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ‏:‏ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ إبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ ‏.‏

قَالَ الْمُصَنِّفُ ‏,‏ يَعْنِي م ص ‏,‏ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ‏:‏ الْمُلْحَمُ مَا سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِهِ انْتَهَى ‏.‏

فَالْمُلْحَمُ عَكْسُ الْخَزِّ صُورَةً وَحُكْمًا ‏,‏ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ نَحْوُ الثِّيَابِ الْبَغْدَادِيَّةِ مِمَّا يُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَيُلْحَمُ بِالْقُطْنِ ‏,‏ لَكِنْ مَعَ ظُهُورِ الْحَرِيرِ وَاسْتِتَارِ الْقُطْنِ ‏,‏ فَتَوَهَّمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَزِّ الْمُبَاحِ وَغَفَلُوا عَنْ شَرْطِ الْخَزِّ ‏,‏ أَعْنِي اسْتِتَارَ الْحَرِيرِ وَظُهُورَ غَيْرِهِ ‏.‏

وَهَذَا شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ لِابْنِ قُنْدُسٍ وَغَيْرِهَا ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْإِمَامَ أَبَا الْمَوَاهِبِ وَأَصْحَابَنَا الشَّامِيِّينَ ‏,‏ وَكَذَا كَتَبَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَوَاشِي الْمُنْتَهَى وَلَمْ يُطِلْ الْكِتَابَةَ ‏.‏

‏,‏ ثُمَّ إنَّهُ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَسَأَذْكُرُهَا جُمْلَةً ‏.‏

قَالَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ ‏,‏ وَالْحَمْدَلَةِ وَالتَّصْلِيَةِ‏:‏ وَبَعْدُ ‏,‏ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَزِّ ‏,‏ وَالْمُلْحَمِ مَعْنًى وَحُكْمًا ‏,‏ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوهٍ‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ فِي الْخَزِّ ‏,‏ وَهُوَ كَمَا عَرَّفَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏,‏ وَغَيْرُهُمَا مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسِمٍ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ ‏,‏ أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ فِي الْمُلْحَمِ ‏,‏ وَهُوَ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ مَا سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِهِ فَهُوَ عَكْسُ الْخَزِّ ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ فِي حُكْمِهِمَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏:‏ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْخَزَّ الْمَذْكُورَ مُبَاحٌ ‏,‏ وَأَنَّ الْمُلْحَمَ حَرَامٌ ‏,‏ وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ‏.‏

قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ‏:‏ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ إبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ وَغَيْرِهِ وَيُلْبَسُ الْخَزُّ وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ وَلَا الدِّيبَاجُ انْتَهَى ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْخَزِّ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسِمٍ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ السَّدَى مُسْتَتِرًا وَلُحْمَتُهُ ظَاهِرَةً ‏,‏ فَلَوْ ظَهَرَ السَّدَى وَاسْتَتَرَتْ اللُّحْمَةُ كَانَ كَالْمُلْحَمِ حُكْمًا فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ مِنْ كَلَامِهِمْ‏:‏ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ‏:‏ الْخَزُّ مَا سُدِّيَ ‏,‏ بِالْإِبْرَيْسِمِ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ ‏,‏ أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ لِغَلَبَةِ اللُّحْمَةِ عَلَى الْحَرِيرِ انْتَهَى ‏.‏

أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا اسْتَتَرَ لَا يَغْلِبُ مَا ظَهَرَ ‏,‏ بَلْ الْحُكْمُ لِلظَّاهِرِ ‏.‏

وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ‏:‏ إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ وَمَا مَعَهُ ظُهُورًا أُبِيحَ ‏.‏

وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ مُوسَى فِي شَرْحِ الْآدَابِ‏:‏ وَإِنْ نُسِجَ أَيْ الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ ‏,‏ فَالْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ ظُهُورًا فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ ظُهُورًا الْحَرِيرَ حُرِّمَ انْتَهَى ‏.‏

فَانْظُرْ إلَى مَنَاطِ الْحِلِّ ‏;‏ إنَّهُ الظُّهُورُ فَقَطْ أَيْ لَا الْوَزْنُ وَلَا غَيْرُهُ ‏,‏ فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَتِرُ كُلُّهُ حَرِيرًا ‏,‏ وَالظَّاهِرُ بَعْضُهُ وَبَرٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُهُ لَكِنْ اسْتَوَيَا ظُهُورًا فَهُوَ مُبَاحٌ لِصِدْقِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَهُوَ وَاضِحٌ ‏,‏ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ‏.‏

وَمِنْهَا ‏,‏ وَهُوَ أَصْرَحُهَا ‏,‏ بَلْ الْعُمْدَةُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عَنْ الِاخْتِيَارَاتِ فِي الْخَزِّ ‏,‏ وَالْمُلْحَمِ قَالَ‏:‏ وَالْخَزُّ أَخَفُّ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَالسَّدَى أَيْسَرُ مِنْ اللُّحْمَةِ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَوَازَهُ بِقَوْلِهِ ‏,‏ فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنْ الْحَرِيرِ وَالسَّدَى لِلثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّ الْخَزَّ ثَخِينٌ ‏,‏ وَالْحَرِيرَ مَسْتُورٌ بِالْوَبَرِ فِيهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشْوِ ‏,‏ قَالَ‏:‏ وَالْخَزُّ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ‏:‏ لِلْوَبَرِ الَّذِي يُنْسَجُ مَعَهُ الْحَرِيرُ ‏,‏ وَهُوَ وَبَرُ الْأَرْنَبِ ‏,‏ وَاسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَالْوَبَرِ ‏,‏ وَاسْمٌ لِرَدِيءِ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي حَلَالٌ وَالثَّالِثُ حَرَامٌ انْتَهَى ‏.‏

ثُمَّ قَالَ النَّجْدِيُّ‏:‏ فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الْخَزَّ الْمُبَاحَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ فِيهِ مَسْتُورًا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الْخَزُّ اسْمًا لِمَا سُدِّيَ بِالْإِبْرَيْسِمِ ‏,‏ وَلَوْ ظَهَرَ السَّدَى لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُلْحَمُ اسْمًا لِمَا أُلْحِمَ بِالْإِبْرَيْسِمِ ‏,‏ وَلَوْ اسْتَتَرَتْ اللُّحْمَةُ ‏;‏ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْخَزِّ كَمَا تَقَدَّمَ ‏,‏ فَيُفْضِي إلَى تَحْرِيمِ ثَوْبٍ سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِالْحَرِيرِ ‏,‏ وَالظَّاهِرُ كُلُّهُ غَيْرُ الْحَرِيرِ وَإِلَى إبَاحَةِ عَكْسِهِ ‏,‏ وَهُوَ ثَوْبٌ سُدِّيَ بِحَرِيرٍ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ كُلُّهُ الْحَرِيرُ ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُعْدِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ ‏.‏

وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْهُ أَسْتَمِدُّ الْمَعُونَةَ وَالتَّحْقِيقَ‏:‏ كَلَامُ النَّجْدِيِّ غَيْرُ بَعِيدٍ ‏,‏ وَهُوَ فِي غَايَةِ التَّدْقِيقِ وَمَطْمَحُ نَظَرِهِ إلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ ‏,‏ وَالْإِبَاحَةِ ‏.‏

وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ نُبَيِّنُ وَجْهَ مَأْخَذِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْإِمَامِ أَبِي الْمَوَاهِبِ ‏,‏ وَمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ الظُّهُورُ لِلْحَرِيرِ‏:‏ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْإِقْنَاعِ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ وَيَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ ‏,‏ وَلَوْ كَافِرًا وَخُنْثَى لُبْسُ ثِيَابِ حَرِيرٍ إلَخْ ‏,‏ وَكَذَا مَا غَالِبُهُ حَرِيرٌ ظُهُورًا لَا إذَا اسْتَوَيَا ظُهُورًا وَوَزْنًا ‏,‏ أَوْ كَانَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَالظُّهُورُ لِغَيْرِهِ ‏,‏ وَلَا يَحْرُمُ خَزٌّ ‏,‏ وَهُوَ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسِمٍ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ ‏,‏ أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ ‏.‏

وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى‏:‏ وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى حَتَّى كَافِرٍ لُبْسُ مَا كُلُّهُ ‏,‏ أَوْ غَالِبُهُ حَرِيرٌ ‏,‏ إلَى أَنْ قَالَ لَا حَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ ظُهُورًا ‏(‏وَخَزٌّ‏)‏ أَيْ وَلَا يَحْرُمُ خَزٌّ قَالَ‏:‏ وَهُوَ مَا سُدِّيَ بِإِبْرَيْسِمٍ وَأُلْحِمَ بِصُوفٍ ‏,‏ أَوْ وَبَرٍ وَنَحْوِهِ ‏.‏

قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ أَمَّا عَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ‏,‏ وَالْأَثْرَمُ ‏,‏ وَكَذَا عِبَارَةُ الْغَايَةِ فَجَعَلُوا مَا نُسِجَ بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً وَهَذِهِ اعْتَبَرُوا فِيهَا الظُّهُورَ ‏,‏ فَمَا غَلَبَ ظُهُورُهُ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ وَحِينَئِذٍ تَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ ‏;‏ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ وَيُلْحَمَ كَذَلِكَ ‏,‏ أَوْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ ‏,‏ أَوْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ ‏.‏

فَهَذِهِ الثَّلَاثُ صُوَرٍ نَعْتَبِرُ فِيهَا أَغْلَبِيَّةَ الظُّهُورِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ ظُهُورًا الْحَرِيرَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا ‏.‏

ثُمَّ قَالُوا‏:‏ وَلَا يَحْرُمُ خَزٌّ فَجَعَلُوهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا غَيْرَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ‏,‏ وَعَطَفُوهَا بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهَا الظُّهُورَ ‏,‏ بَلْ أَطْلَقُوا إبَاحَةَ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ النَّجْدِيُّ مُرَادًا لَقَيَّدُوهُ بِمُلَاحَظَةِ قَيْدِ مَا تَقَدَّمَ ‏,‏ أَوْ كَانَ الشُّرَّاحُ نَبَّهُوا عَلَيْهِ ‏.‏

وَكَانَ الْأَصْوَبُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَأْخِيرَ هَذَا الْقَيْدِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ‏,‏ فَكَانُوا يَقُولُونَ‏:‏ وَيُبَاحُ الْخَزُّ وَمَا نُسِجَ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْحَرِيرِ أَغْلَبَ ظُهُورًا ‏,‏ أَوْ كَانَ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ ‏.‏

فَلَمَّا فَصَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَخَّرُوهَا عَنْ الْقَيْدِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُعْتَبِرِينَ هَذَا الْقَيْدَ ‏.‏

وَأَيْضًا أَيُّ فَائِدَةٍ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْقَيْدِ ‏,‏ فَإِنَّهَا لَمْ تُفِدْنَا شَيْئًا ‏,‏ إذْ هِيَ نَسْجُ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ ‏,‏ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا بَعْدَمَا ذَكَرُوهُ أَوَّلًا تَكْرَارًا بِلَا فَائِدَةٍ ‏,‏ إذْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا لَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا مَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِالِاخْتِصَارِ ‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ حَذَفُوا مَسْأَلَةَ الْمُلْحَمِ لِمَا شَمِلَتْهُ الْعِبَارَةُ الْأُولَى ‏,‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ بِالْإِنْصَافِ ‏.‏

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ النَّجْدِيِّ بِكَلَامِ الْحَجَّاوِيِّ ‏,‏ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاظِمِ مِنْ مُصْمَتٍ زِدْ ‏.‏

قَالَ‏:‏ يَعْنِي إنَّمَا يَحْرُمُ لُبْسُ الْحَرِيرِ الْمُصْمَتِ أَيْ الصِّرْفِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ‏,‏ فَإِنْ نُسِجَ مَعَ غَيْرِهِ فَالْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ ظُهُورًا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ ظُهُورًا الْحَرِيرَ حَرُمَ ‏,‏ وَإِنْ اسْتَوَيَا ظُهُورًا ‏,‏ أَوْ وَزْنًا فَفِيهِ وَجْهَانِ ‏,‏ الْمَذْهَبُ الْإِبَاحَةُ انْتَهَى ‏.‏

وَنَحْنُ لَا نَشُكُّ أَنَّ مُرَادَ الْحَجَّاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآدَابِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي إقْنَاعِهِ ‏,‏ وَحِينَئِذٍ يُرْجَعُ إلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّهُ نَسْجُ الْحَرِيرِ مَعَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَا إذَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي إقْنَاعِهِ ‏,‏ ثُمَّ هُوَ مَأْخَذُ كَلَامِهِ مِنْ الْآدَابِ الْكُبْرَى وَعِبَارَتُهُ‏:‏ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا‏:‏ وَيُبَاحُ الْخَزُّ نَصَّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَهُوَ حَرِيرٌ وَوَبَرٌ طَاهِرٌ مِنْ أَرْنَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏,‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْخَزِّ نَصَّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا لَبِسَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَاكَ مُحْدَثٌ ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ ‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ بَكْرٍ أَوْمَأَ إلَى فَرْقٍ آخَرَ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ الْخَزَّ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا خُيَلَاءَ ‏,‏ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا نُسِجَ أَيْ مِنْ الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الْخَزِّ الَّذِي سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ ‏.‏

وَعَلَى كَلَامِ النَّجْدِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ ‏,‏ وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الْإِمَامِ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ خَاتِمَةُ الْمُرَجِّحِينَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ قَالَ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ وَكَذَا الْخَزُّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ وَأَبَاحَهُ أَحْمَدُ انْتَهَى ‏,‏ يَعْنِي أَنَّ الْخَزَّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ كَالْحَرِيرِ فِي الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ ‏.‏

فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ يَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُطْلَقُ إذَا اسْتَوَيَا ‏,‏ وَقَدْ عَلِمْت الصَّحِيحَ مِنْهُ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالصَّحِيحُ إبَاحَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ‏,‏ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْآدَابِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى ‏.‏

وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ‏:‏ الْخَزُّ مَا عُمِلَ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسِمٍ قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ فِي النَّفَقَاتِ ‏,‏ وَقَالَ فِي الْمُذْهَبِ ‏,‏ وَالْمُسْتَوْعِبِ مَا عُمِلَ مِنْ إبْرَيْسَمٍ وَوَبَرِ طَاهِرٍ كَالْأَرْنَبِ وَغَيْرِهَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ ‏.‏

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ‏:‏ الْخَزُّ مَا سُدِّيَ بِالْإِبْرَيْسِمِ وَأُلْحِمَ بِوَبَرٍ ‏,‏ أَوْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ لِغَلَبَةِ اللُّحْمَةِ عَلَى الْحَرِيرِ انْتَهَى ‏.‏

فَذَكَرَ كَلَامَهُ مُؤَخَّرًا عَنْ كَلَامِ غَيْرِهِ ‏,‏ ثُمَّ إنَّ الْمَجْدَ لَمْ يَجْعَلْهُ قَيْدًا ‏,‏ وَإِنَّمَا أَبَدَاهُ حِكْمَةً ‏,‏ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ النَّجْدِيُّ لَقَالَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ مَغْلُوبًا فِي الظُّهُورِ ‏,‏ ثُمَّ إنَّا لَا نَدْرِي عَلَى مَاذَا فَرَّعَهُ ‏,‏ فَإِنَّ لِعُلَمَائِنَا قَوْلَيْنِ فِي الْأَغْلَبِيَّةِ هَلْ هِيَ فِي الْوَزْنِ أَوْ الظُّهُورِ كَمَا أَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْفُرُوعِ وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَجَمَاعَةٌ كَمَا مَرَّ ‏.‏

وَقَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي لُغَةِ إقْنَاعِهِ‏:‏ الْخَزُّ ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسِمٍ ‏,‏ وَهِيَ مُبَاحَةٌ ‏.‏

قَالَ فِي الْمَطْلَعِ‏:‏ وَالْخَزُّ الْمَعْرُوفُ الْآنَ كُلُّهُ مِنْ الْإِبْرَيْسِمِ ‏,‏ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ انْتَهَى ‏.‏

وَأَمَّا مَا جَعَلَهُ عُمْدَةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ‏,‏ وَهُوَ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قُنْدُسٍ فَنَحْنُ نَسُوقُ كَلَامَهُ بِحُرُوفِهِ ‏.‏

قَالَ رحمه الله‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ وَكَذَا الْخَزُّ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ وَأَبَاحَهُ أَحْمَدُ الْخَزُّ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ وَحَرِيرٍ ‏.‏

قَالَ فِي الْمَطْلَعِ‏:‏ قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ‏:‏ الْخَزُّ الْمَعْرُوفُ أَوَّلًا ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ وإِبْرَيْسِمٍ والإِبْرَيْسِمُ هُوَ الْحَرِيرُ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ‏.‏

وَأَمَّا الْخَزُّ فَقَدْ لَبِسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ‏:‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِي سَدَى ذَلِكَ الْخَزِّ ‏,‏ فَقَالَ قَوْمٌ كَانَ سَدَاه قُطْنًا ‏,‏ وَقَالَ آخَرُونَ حَرِيرًا ‏,‏ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ خَزِّنَا الْيَوْمَ أَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ ‏.‏

ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ‏:‏ فَائِدَةٌ‏:‏ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ‏:‏ قُلْنَا لِعَلِيٍّ رضي الله عنه مَا الْقَسِّيَّةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنْ الشَّامِ ‏,‏ أَوْ مِنْ مِصْرَ فِيهَا حَرِيرٌ أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ ‏.‏

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ هِيَ ثِيَابٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا حَرِيرٌ ‏,‏ فَقَدْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهَا ثِيَابٌ فِيهَا حَرِيرٌ وَلَيْسَتْ حَرِيرًا مُصْمَتًا ‏,‏ وَهَذَا هُوَ الْمُلْحَمُ ‏,‏ وَالْخَزُّ أَخَفُّ مِنْ وَجْهَيْنِ ‏,‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَالسَّدَى أَيْسَرُ مِنْ اللُّحْمَةِ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما جَوَازَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَأَمَّا الْعَلَمُ مِنْ الْحَرِيرِ وَالسَّدَى لِلثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّ الْخَزَّ ثَخِينٌ ‏,‏ وَالْحَرِيرَ مَسْتُورٌ بِالْوَبَرِ فِيهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشْوِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَالْخَزُّ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ لِلْوَبَرِ الَّذِي يُنْسَجُ مَعَ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَهُوَ وَبَرُ الْأَرْنَبِ ‏,‏ وَاسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَالْوَبَرِ ‏,‏ وَاسْمٌ لِرَدِيءِ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي حَلَالٌ ‏,‏ وَالثَّالِثُ حَرَامٌ ‏,‏ وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُلْحَمَ ‏,‏ وَالْقَسِّيَّ ‏,‏ وَالْخَزَّ مِنْ صُوَرِ الْوَجْهَيْنِ ‏,‏ وَجَعَلَ التَّحْرِيمَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ - لِأَنَّهُ حَرَّمَ الْمُلْحَمَ ‏,‏ وَالْقَسِّيَّ - ‏,‏ وَالْإِبَاحَةَ قَوْلَ ابْنِ الْبَنَّا ‏;‏ ‏;‏ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْخَزَّ ‏.‏

قَالَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ ‏,‏ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ‏:‏ وَيُلْبَسُ الْخَزُّ وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ وَلَا الدِّيبَاجُ ‏.‏

وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ فَإِبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ وَغَيْرِهِ ‏.‏

فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْخَزِّ خِلَافًا فَقَدْ غَلِطَ ‏,‏ وَأَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ الْمَنْسُوجَ مِنْ الْحَرِيرِ ‏,‏ وَالْوَبَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْسُوجَ مِنْ الْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَذَكَرَهُ أَبُو السَّعَادَاتِ فَيَكُونُ قِسْمًا رَابِعًا ‏.‏

انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ ‏.‏

فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ النَّجْدِيُّ فِي مَعْرِضِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْحَمِ وَبَيْنَهُ ‏,‏ وَأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْمُلْحَمِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ إلَّا بِشَرْطِ اسْتِتَارِ الْحَرِيرِ وَظُهُورِ الْوَبَرِ ‏,‏ ثُمَّ إنَّ دَلَالَةَ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قُنْدُسٍ عَلَى مَا قَالَهُ النَّجْدِيُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ‏,‏ وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ ‏.‏

وَكَلَامُ الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏,‏ وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ مَعَ تَأْخِيرِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْقَيْدِ ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ إبَاحَةُ الْخَزِّ ‏,‏ نَصَّ عَلَيْهِ ‏.‏

وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ لُبْسُ الصَّحَابَةِ وَبِأَنَّهُ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا خُيَلَاءَ‏:‏ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي ‏,‏ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ‏.‏

انْتَهَى ‏.‏

وَأَمَّا مَا عُمِلَ مِنْ سَقَطِ الْحَرِيرِ وَمُشَاقَّتِهِ وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُزِلَ وَنُسِجَ فَهُوَ كَحَرِيرٍ خَالِصٍ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ‏.‏

فَإِنْ قُلْت‏:‏ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ مَا فَهِمَهُ النَّجْدِيُّ ‏,‏ أَوْ أَبُو الْمَوَاهِبِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ مَأْخَذُ النَّجْدِيِّ دَقِيقٌ ‏,‏ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا عَلَّلُوا بِهِ ‏.‏

وَلَكِنْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَالَهُ وَفَهِمَهُ أَبُو الْمَوَاهِبِ هُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ‏.‏

‏(‏فَائِدَةٌ‏)‏ قَالَ فِي الْمَطَالِعِ‏:‏ الْخَزُّ مَا خُلِطَ مِنْ الْحَرِيرِ بِالْوَبَرِ وَشِبْهِهِ وَأَصْلُهُ مِنْ وَبَرِ الْأَرْنَبِ ‏,‏ وَيُسَمَّى ذَكَرُهُ الْخُزَزَ فَسُمِّيَ بِهِ ‏,‏ وَإِنْ خَلَطَ بِكُلِّ وَبَرٍ خَزًّا ‏.‏

وَفِي الْقَامُوسِ‏:‏ الْخَزُّ مِنْ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ خُزُوزٌ ‏,‏ وَالْخُزَزُ كَصُرَدٍ ذَكَرُ الْأَرَانِبِ ‏,‏ جَمْعُهُ خِزَّانٌ وَأَخِزَّةٌ ‏,‏ وَمَوْضِعُهَا مَخَزَّةٌ وَمِنْهُ اُشْتُقَّ الْخَزُّ انْتَهَى ‏.‏

 مطلب فِي أَوَّلِ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ

‏(‏فَائِدَةٌ أُخْرَى‏)‏ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ وَشَرِبَ الْخُمُورَ فِي الْمَجَالِسِ وَطَوَّلَ الشَّارِبَ وَقَصَّ اللِّحْيَةَ وَلَعِبَ بِالْحَمَامِ قَوْمُ لُوطٍ ‏,‏ ذَكَرَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيُّ فِي أَوَائِلِهِ وَفِي زُبْدَةِ التَّوَارِيخِ ‏,‏ وَنَقَلَهُ عَلَيٌّ دَدَهْ فِي أَوَائِلِهِ ‏,‏ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ اسْتَخْرَجَ الْحَرِيرَ مِنْ دِيدَانِهِ - تَعَلَّمَهُ مِنْ الْجِنِّ ‏,‏ وَكَانُوا مُسَخَّرِينَ لَهُ - جَمْشِيدُ ‏,‏ وَكَانَ فِي أَوَائِلِ مُلْكِهِ مَلِكًا عَادِلًا ‏,‏ ثُمَّ طَغَى وَتَجَبَّرَ وَاِتَّخَذَ الْأَصْنَامَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ فَسُلِبَ مُلْكَهُ ‏,‏ فَغُرِّبَ إلَى الْهِنْدِ وَمَاتَ مَجُوسِيًّا زِنْدِيقًا ‏.‏

قَتَلَهُ الضَّحَّاكُ الْعَلْوَانِيُّ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ شَرَّ قِتْلَةٍ ‏.‏

وَجَمْشِيدُ هَذَا أَوَّلُ مَنْ اسْتَخْرَجَ نَسْجَ أَلْوَانِ اللِّبَاسِ ‏,‏ وَاسْتَخْرَجَ الْقُطْنَ ‏.‏

وَكَانَ مَاهِرًا فِي الْحِرَفِ ‏,‏ وَالْآلَاتِ ‏,‏ وَالْعُدَّةِ قَبْلَ طُغْيَانِهِ ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ الدُّرَّ الْمَنْثُورَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَ الْقُطْنَ وَاسْتَخْرَجَهُ إدْرِيسُ عليه الصلاة والسلام ‏.‏

وَأَمَّا أَوَّلُ اتِّخَاذِ ذُكُورِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِلْحَرِيرِ وَلُبْسِهَا لَهُ فَقَالَ السُّيُوطِيُّ‏:‏ كَانَ أَوَّلُ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه ‏,‏ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَوْشَكَ أَنْ تَسْتَحِلَّ أُمَّتِي فُرُوجَ النِّسَاءِ ‏,‏ وَالْحَرِيرَ وَهَذَا أَوَّلُ حَرِيرٍ رَأَيْته عَلَى الْمُسْلِمِينَ ‏.‏

قُلْت وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو مَالِكٍ وَاَللَّهِ يَمِينًا أُخْرَى مَا كَذَبَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ ‏,‏ وَالْحَرِيرَ - وَذَكَرَ كَلَامًا - قَالَ‏:‏ يُمْسَخُ مِنْهُمْ قِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏"‏ ‏,‏ وَالْحِرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَرْجُ الْمَرْأَةِ لُغَةً فِي الْمُخَفَّفَةِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ قَوْلُهُ‏:‏ وَيُسْتَحَلُّ الْحِرُ مُخَفَّفَ الرَّاءِ اسْمٌ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ ‏.‏

وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ ‏,‏ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ ‏,‏ وَقِيلَ أَصْلُهُ بِالتَّاءِ بَعْدَ الرَّاءِ فَحُذِفَتْ ‏.‏

 مطلب مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ وَمُصَوَّرٍ حَرُمَ بَيْعُهُ وَنَسْجُهُ

‏(‏الْبَحْثُ السَّادِسُ‏)‏ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَمُذَهَّبٍ وَمُصَوَّرٍ وَنَحْوِهَا حَرُمَ بَيْعُهُ وَنَسْجُهُ وَخِيَاطَتُهُ وَتَمْلِيكُهُ وَتَمَلُّكُهُ وَأُجْرَتُهُ لِذَلِكَ ‏,‏ وَكَذَا الْأَمْرُ بِهِ ‏.‏

وَأَمَّا إذَا نَسَجَهُ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ كَالنِّسَاءِ فَيُبَاحُ ‏,‏ وَكَذَا بَيْعُهُ وَنَحْوُهُ ‏.‏

وَعُمُومُ إطْلَاقِهِمْ يَشْمَلُ حُرْمَةَ بَيْعِ ثَوْبِ الْحَرِيرِ وَخِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِ لِلْكَافِرِ ‏,‏ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ ‏;‏ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ ‏,‏ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ‏:‏ يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ حَرِيرٍ لِكَافِرٍ وَلُبْسُهُ لَهُ ‏;‏ لِأَنَّ عُمَرَ بَعَثَ بِمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى أَخٍ لَهُ مُشْرِكٍ ‏.‏

رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ‏,‏ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ‏.‏

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ التَّحْرِيمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ ‏,‏ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَقَالَ عَنْ خِلَافِهِ قَدْ يَتَوَهَّمُهُ مُتَوَهِّمٌ ‏,‏ وَهُوَ وَهْمٌ بَاطِلٌ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهَا ‏,‏ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ رضي الله عنهم ‏,‏ وَكَذَا بَعَثَ لِجَعْفَرٍ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إبَاحَةُ لُبْسِهِ انْتَهَى ‏.‏

وَأَصْلُ الْمَأْخَذِ أَنَّا نَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةَ نَقُولُ بِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ‏.‏

وَفَائِدَةُ ذَلِكَ زِيَادَةُ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ ‏,‏ وَالْبَحْثُ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ‏.‏

وَفَرَّقَ الشَّيْخُ بَيْنَ بَيْعِ الْحَرِيرِ لِلْكُفَّارِ وَبَيْعِ الْخَمْرِ ‏,‏ بِأَنَّ الْحَرِيرَ لَيْسَ حَرَامًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَعَلَى قِيَاسِهِ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ ‏,‏ وَالْفِضَّةِ لَهُمْ ‏.‏

وَإِذَا جَازَ بَيْعُهَا لَهُمْ جَازَ صُنْعُهَا لِبَيْعِهَا وَجَازَ عَمَلُهَا لَهُمْ بِالْأُجْرَةِ ‏.‏

انْتَهَى كَلَامُهُ ‏.‏

ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي كَرَاهَةِ النَّظَرِ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ

‏(‏السَّابِعُ‏)‏ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ كَغَيْرِهِ‏:‏ يُكْرَهُ نَظَرُ مَلَابِسِ حَرِيرٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنَحْوِهَا إنْ رَغَّبَهُ فِي التَّزْيِينِ بِهَا ‏,‏ وَالْمُفَاخَرَةِ وَالتَّنَعُّمِ وَالتَّجَمُّلِ بِهَا ‏.‏

وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْآدَابِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا ‏.‏

وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ رِيحُ الْخَمْرِ كَصَوْتِ الْمَلَاهِي حَتَّى إذَا شَمَّ رِيحَهَا فَاسْتَدَامَ شَمَّهَا كَانَ بِمَثَابَةِ مَنْ سَمِعَ صَوْتَ الْمَلَاهِي فَأَصْغَى إلَيْهَا ‏,‏ وَيَجِبُ سَتْرُ الْمَنْخِرَيْنِ ‏,‏ وَالْإِسْرَاعُ كَسَدِّ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِمَاعِ ‏.‏

وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ وَأَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إنْ دَعَتْ إلَى حُبِّ الدُّنْيَا ‏,‏ وَالْمُفَاخَرَةِ وَيَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْهُ ‏.‏

وَنَزِيدُ فَنَقُولُ‏:‏ التَّفَكُّرُ الدَّاعِي إلَى اسْتِحْضَارِ صُوَرِ الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ ‏,‏ حَتَّى إذَا فَكَّرَ الصَّائِمُ فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَقَضَى ‏,‏ وَكَانَ عِنْدِي كَالْعَابِثِ بِذَكَرِهِ فَيُمْنِي ‏,‏ وَأَدَقُّ مِنْ هَذَا لَوْ اسْتَحْضَرَ صُورَةَ الْمَعْشُوقِ وَقْتَ جِمَاعِ أَهْلِهِ ‏.‏

قُلْت‏:‏ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ فِطْرِ الصَّائِمِ بِالْفِكْرِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى ‏;‏ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا نَظَرٍ أَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ ‏,‏ وَالْفِكْرَةَ الْغَالِبَةَ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ ‏;‏ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ ‏,‏ وَلَوْ تَمَادَى مَعَ الْفِكْرِ ‏,‏ وَهُوَ مُرَادُهُمْ ‏;‏ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَالَ‏:‏ وَلَا فِطْرَ وَلَا إثْمَ بِفِكْرٍ غَالِبٍ اتِّفَاقًا ‏,‏ وَقَالَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ يَعْنِي فِي الْفِطْرِ بِالتَّفَكُّرِ سَوَاءٌ لِدُخُولِ الْفِكْرِ تَحْتَ النَّهْيِ ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُفْطِرُ خِلَافًا لِمَالِكٍ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُوَ يَعْنِي‏:‏ عَدَمُ الْفِطْرِ بِالْفِكْرِ أَشْهَرُ ‏;‏ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ ‏,‏ وَيُخَالِفُ بِالتَّحْرِيمِ إنْ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ ‏.‏

زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي ‏,‏ أَوْ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ فِي زَوْجَةٍ ‏.‏

يَعْنِي أَنَّ تَكْرَارَ النَّظَرِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ مُحَرَّمٌ سِيَّمَا لِلصَّائِمِ ‏,‏ وَتَكْرَارُهُ فِي زَوْجَتِهِ ‏,‏ وَهُوَ صَائِمٌ مَكْرُوهٌ ‏,‏ وَالْفِكْرُ لَيْسَ يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَعْنِي لَا هُوَ حَرَامٌ وَلَا مَكْرُوهٌ ‏;‏ وَلِذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَلَا أَظُنُّ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ ‏,‏ وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ يَسْلَمُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ يَعْنِي عَدَمَ الْحُرْمَةِ ‏,‏ وَالْكَرَاهَةِ ‏.‏

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ فِيمَا لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ ‏,‏ أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ‏,‏ وَكَذَا لَوْ فَكَّرَ فَأَمْذَى ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ‏,‏ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ ‏,‏ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ ‏,‏ وَالْمَذْيِ إذَا حَصَلَ بِفِكْرِهِ ‏.‏

وَقِيلَ يُفْطِرُ بِهِمَا إنْ اسْتَدْعَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى ‏.‏

فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْفِطْرِ بِالْفِكْرِ ‏,‏ وَلَوْ اسْتَدْعَاهُ ‏,‏ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ حُرْمَةَ اسْتِحْضَارِ نَحْوِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ ‏,‏ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ ‏.‏

وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَالنَّظَرِ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ ‏.‏

وَكَلَامُ الْمُوَفَّقِ فِي الْمُغْنِي يَقْتَضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ ‏,‏ وَصَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ

‏(‏الثَّامِنُ‏)‏‏:‏ الَّذِي اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُو الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ كَالْمُنْتَهَى أَنَّ مَنْ صَلَّى ‏,‏ وَلَوْ نَفْلًا فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ أَوْ أَكْثَرَهُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ‏,‏ وَكَذَا مَغْصُوبٌ أَوْ بَعْضُهُ ‏,‏ أَوْ مَا ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ ‏,‏ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْ الْحَرَامِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً ‏,‏ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ‏,‏ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالِمًا ذَاكِرًا ‏,‏ وَإِلَّا صَحَّتْ ‏,‏ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ دُمْلُجًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ تِكَّةَ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا مِنْ حَرِيرٍ وَإِنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ حَرِيرًا أَوْ غَصْبًا أَوْ حُبِسَ بِمَكَانِ غَصْبٍ أَوْ كَانَ فِي جَيْبِهِ دِرْهَمٌ مَغْصُوبٌ صَحَّتْ ‏.‏

وَعَنْ الْإِمَامِ تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ ‏,‏ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وِفَاقًا لِلثَّلَاثَةِ ‏.‏

وَقَالَ بِهِ جُمُوعٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرُهُمْ ‏;‏ لِأَنَّ النَّهْيَ يَعُودُ إلَى خَارِجٍ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ ‏.‏

وَصَلَاةُ الْمُمَيِّزِ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ كَالْبَالِغِ ‏.‏

فَإِنْ قُلْت‏:‏ لَا عَمْدَ لِلصَّبِيِّ بَلْ عَمْدُهُ خَطَأٌ كَمَا فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الصَّغِيرِ كَذَلِكَ بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِثْمِ ‏.‏

وَالْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ النَّجْدِيُّ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ أَحَدٌ ‏;‏ فَلِذَلِكَ اُغْتُفِرَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ ‏,‏ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ فِيهَا مَعْصِيَةٌ مُؤَاخَذٌ بِهَا ‏,‏ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي ‏,‏ فَكَأَنَّهُ لِشُؤْمِ أَثَرِ الْمَعْصِيَةِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ ‏.‏

هَذَا مَا ظَهَرَ فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَى ‏.‏

قُلْت‏:‏ وَفِي هَذَا نَظَرٌ يَظْهَرُ بِمَا إذَا لَبِسَ زَيْدٌ سُتْرَةً مِنْ عِنْدِ عَمْرٍو بِإِذْنِهِ ‏,‏ وَعَمْرٌو كَانَ قَدْ غَصَبَ السُّتْرَةَ ‏,‏ وَلَا عِلْمَ لِزَيْدٍ ‏,‏ فَإِنَّ صَلَاةَ زَيْدٍ صَحِيحَةٌ ‏,‏ وَعَمْرٌو عَاصٍ ‏,‏ وَلَمْ يَعُدْ شُؤْمُ أَثَرِ مَعْصِيَةِ عَمْرٍو عَلَى صَلَاةِ زَيْدٍ بِالْبُطْلَانِ لِعَدَمِ شُعُورِهِ بِذَلِكَ ‏.‏

 مطلب فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمَالٍ حَلَالٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا حَرَامٌ

وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رضي الله عنه عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِمَالٍ حَلَالٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَصْلَ السِّلْعَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ حَلَالٌ ‏,‏ ثُمَّ كَانَتْ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ هَلْ يَأْثَمُ أَمْ لَا‏؟‏ ‏.‏

فَأَجَابَ‏:‏ مَتَى اعْتَقَدَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الَّذِي مَعَ الْبَائِعِ مِلْكُهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ عَلَى الظَّاهِرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي ذَلِكَ ‏.‏

وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ قَدْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي لَا يَعْلَمُ إثْمٌ وَلَا عُقُوبَةٌ ‏,‏ لَا فِي الدُّنْيَا ‏,‏ وَلَا فِي الْآخِرَةِ ‏,‏ وَالضَّمَانُ وَالدَّرَكُ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ وَبَاعَهُ ‏.‏

وَإِذَا ظَهَرَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ فِيمَا بَعْدُ رُدَّتْ إلَيْهِ سِلْعَتُهُ ‏,‏ وَرُدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنُهُ ‏,‏ وَعُوقِبَ الْبَائِعُ الظَّالِمُ ‏.‏

فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ وَمَنْ لَا يَعْلَمُ أَصَابَ ‏,‏ وَمَنْ لَا أَخْطَأَ ‏.‏

انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏